نهر الحياة للتنمية الانسانية و المجتمعية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نهر الحياة للتنمية الانسانية و المجتمعية

خدمة عامة للمجتمع المصري
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 دعونى أقبل قبر أبى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
رحاب سعد




المساهمات : 19
تاريخ التسجيل : 19/08/2008

دعونى أقبل قبر أبى Empty
مُساهمةموضوع: دعونى أقبل قبر أبى   دعونى أقبل قبر أبى Icon_minitimeالإثنين أغسطس 25, 2008 7:54 pm

مفتتح ..
فى آخر حدود الذاكرة ..
يرقد شاهد قبره .. مكتوب عليه الرثاء الاخير
الى الرجل الذى باع صوته.. واشترى بالباقى من عمره .. حفنة قمح لابنته ..أراد أن يهب لها الحياة .. ياليتها لم تمت
.
****
كنا فى الاجازة التى تسبق دخولى الصف الرابع الابتائى
تعديت الثامنة من عمرى بأيام قليلة
أخذتنا امى فى زيارة لبلد ابى فى مناسبة ما
كنا قد خرجنا الان من حارة الطحانين بأشمون .. وتجاوزنا بيوت عائلتنا فى الشوارع الضيقة القديمة
عبرت عينى فوق السور القديم لطاحونة جدى .. العبد الاسود المتمرد على قوانين النوبة .. الهارب لاحضان الدلتا

خرجنا الى طرق واسعة جميلة مزروع من منتصفها باشجار لها اشكال جميلة
سألنا أمنا: (اختى التى تسبقنى بعام ونصف وأنا): أين نذهب
قالت اختى الكبيرة التى كانت تقود قافلتنا الصغيرة
: رايحين نزور بابا
بابا
انا مش شفته من زمان.. الشهر دا الذكرى بتاعته فى منتصف يونية
فرحنا جدا بالطريق الواسع والجنايين..
كنا نتسابق
انا واختى والامانى
رؤية الاب الجميل صاحب الطلة الجميلة فى الصورة المعلقة بحجرة الضيوف
وصلنا
منطقة غريبة الشكل .. تشبه المتاهة
حوارى متداخلة من مبانى قصيرة جدا .. منخفضة جدا .. قبيحة جدا

وقفنا أمام مبنى بعينه .. مربع الشكل صغير مدهون بدهان جيرى قديم متأكل لونه ازرق باهت
قالت ماما : هنا
قالت اختى: هنا
اكيد هنا ؟
وزعت اختى المصاحف الصغيرة علينا اعطونى صورة واحدة فقط يس كنت قد تعلمت ان اقرأها لأبى

بدأت أقرا وعقلى مشغول لماذا جئنا هنا
هو بابا هيجلنا هنا
هو ينفع يقابلنا تانى
وبملل الطفلة الذى يلازمنى حتى الان تركت المهمة كلها للعائلة الصامتة الواقفة هناك أمام المبنى الغريب لأتبع قطة صغيرة وأمشى ورائها مستمتعة بخوفها منى وهروبها يزيدنى شوقا إليها وإلى معاكستها

ثم مللتها
وتجولت حول المبانى الصغيرة الفقيرة .. القبيحة
بيت مجهول علية صور لايادى ملطخة بالدماء
فرغ صغير من ترعة .. ينحنى عليه رجل مرعب الملامح والجسد يحمل صفائح مملؤة بالماء خفت منه ثم تذكرت انى امى كانت تكلمه أمامى
أوصته أن يسقى النخلات الصغيرة هناك عند المبنى الردئ
ورجعت اسبقه للعودى الى مكان عائلتى
تهت قليلا ..ثم بدأ قلبى يؤلمنى من الخوف
وجدت مجموعة من الاهالى يستعدون لفتح واحدة من المبانى الصغيرة لونها جديد نوعا ما ..نظرت للقفل ولم افهم
من بعيد رأيت النصف العلوى من اجساد امى واختى الكبيرة
تقدمت نحوهم
وقفت
جاء جمع اخر من الناس يحملون نعش الميت .ز اعرفة رايته عندما توفى جارنا
هذه المرة توقف الجنازة امامنا
كنت لا اعرف الى اين يذهبون بالميت
كنت اظن انه يصعد الى السماء
يتركونه فى مكان ما واسع
ثم تلتقطه الملائكة
وتسألت لماذا يأتون به هنا فى الحوارى الضيقة الرطبة
فتحوا القفل
كشفوا الغطاء عن الصندوق الخشبى واخذو الجسد الميت
هذا الوافد الجديد لسكنى هذه المنازل الموحشة
ذهلت .. فزعت عندما وجدتهم يدخلون جسد الميت فى غطاءه الابيض المحكوم فى هذا المبنى الحقير

الان فهمت كل شئ
فى اللحظة التالية
صرخت وانا اجرى ناحية المبنى المدهون بالجير الازرق الباهت الردئ
اول مرة أدرك أنه مكتوب عليه أسم العائلة
الطحان
وأسمه
صرخت وأنا احتضن قبره
ياحبيبى يا بابا
ياحبيبى يابابا
أود أن أخرجه شفقة عليه
وصرخت من الصبار الذى خدش قدمى
استمريت فى الصراخ
لم أكن اتخيل أن بابا الجميل .. النظيف ببدلته اللطيفة كما رايته دائما فى صورته المعلقة فى حجرة الضيوف يتركوه هنا
لم أكن اتخيل ان أبى بعيونه الملونة .. وشعره الندى المرتب
أبى الجميل مسجون هنا فى المبنى الصغير الرطب الردئ
بابا أدفن فى التراب
عايزة بابا .. خرجوه .. حرام عليكو
كنت اصرخ كالمجنونة .. وكأن شيئا يلدعنى
اقترب احتضنه .. اقترب من قبره أ يصيبنى احساس بالاشمئزاز والقرب
ابتعد .. اشفق عليه
اقترب .. اصرخ
ابعد
اصرخ
اقترب وكلى رغبة فى انقاذ ابى من هنا واخرج جسده من التراب لاضمه
يملئنى الاشمئزاز من القبر ورطوبته وردائته والعناكب وشوك الصبار يخدشنى فاتقلب على نار العجز العجز عن الاقتراب والعجز عن البعد
ابتعد ثم اقترب لضم ابى
عايزة بابا .. عايزة أخدهدلا ادرى كم ظللت افعل هذا
لكن ضمتنى أختى .. هى الاخرى أخذتها نوبة بكاء
لم أكن أفهم
ما معنى الموت
فما أقبح الموت
وما أقبح المقابر
..
مساءا ونحن عائدون فى القطار
كنت نائمة فى حضن أختى .. تلك التى اعتبرها أمى الحقيقية
اتقلب فى حضنها وأبكى
ليه بيحطوه فى كيس قماش أبيض؟
هو شكله يخوف؟
طب والصراصير بتمشى عليهم .. الصراصير والضلمة

لى عادة منذ كنت صغيرة ..أن تتراكم أحزانى ..وأبكى وأنا نائمة

كنت أشعر بأحساس الدموع تبلل رموش عيونى المغمضة
وانقباض لم يفارق قلبى منذ تلك الزيارة الوحيدة
لكنى لمحته وسمعته
رغم صوت القطار العالى
جاء يربت على شعرى ورأسى
بأبتسامته الجميلة تماما مثل الصورة المعلقة الان فى حجرتى
قالى: متزعليش
أنا لسة شكلى حلو

قلت بحبك وابتسمت
للجميل اوى اوى بابا
سعد الطحان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دعونى أقبل قبر أبى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نهر الحياة للتنمية الانسانية و المجتمعية :: المنتدي الأدبي-
انتقل الى: